فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.سورة النحل:

.تفسير الآيات (1- 4):

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}
اتى امر الله: دنا وقرب. امر الله: وعده وحكمه. الروح: الوحي. انذاروا: خوفوا: خصيم: مخاصم.
كان مشركو مكةَ يستعجلون الرسولَ عليه الصلاة والسلام ان يأتيهم بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فجاء ملطعُ هذه السورة حاسماً: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه}.
وقد تحقَّقَ هذا الوعيدُ بان اهلك الله عدداً من صناديِدهم في هذه الدنيا ونصر رسولَه والمؤمنين، ولَعذابُ الآخرة أشدّ، وهو واقعٌ لا ريب فيه {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تَنَزَّه الله عنه ان يكون له شريك يُعبد دونه.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {تشركون} بالتاء، والباقون {يشركون} بالياء كما هي في المصحف.
{يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون}.
بعد أن تبرّأَ سبحانه من الشريك- بيّن انه تعالى وحدَه يعرف أسرار هذا الكون، وانه يُنَزّلُ ملائكتَه بالوحي الذي يُحيي القلوبَ على من يريد من عبادِه الذين يصطفيهم، لِيُعلِّموا الناس، ويُنذِروهم بأنَّ إله الخلْق واحدٌ لا اله الا هو، فاحذَروا، وأخلِصوا له العبادة، والتزِموا بالتقوى والإيمان.

.قراءات:

قرأ الكسائي عن أبي بكر: {تنزيل الملائكة} بفتح التاء والنون والزاي المشددة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {ينزل} بضم الياء وكسر الزاي من أنزل. والباقون: {ينزل} بضم الياء وكسر الزاي المشددة.
{خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
بعد أن بيَّن الله أنه تنزَّه عن الشريك، وأنه هو الخالقُ الواحد، وأمر الناسَ بتقواه وإخلاص العبادة له- أخذَ في عرضِ أدلَّة التوحيد، والآياتِ الدالّة على النِعمة عرضاً لطيفاً هادئا.
خلَق الله العاَلَم العُلويَّ والسفليَّ بما حوة بالحق على نهجٍ تقتضيه الحكمة، لوم يخلقْه عَبَثا، وقد تنزَّه عن ان يكونَ له شريكٌ يتصرَّفُ في مُلكِه، أو يستحقّ ان يُعبد مثله، تعالى عن شِركهم، وتعالى عما يشركون.

.قراءات:

قرأ حمزة والكسائي: {تشركون} بالتاء.
{خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} ما أعجبَ هذا الإنسان الذي خلقه اللهُ من مادة لا تُرى بالعين المجرَّدة، فإذا به إنسانٌ قويٌّ مخاصِم مجادِل، ان هذا الكون كلّه عجيب، وأعجبُ ما فيه هذا الانسان.

.تفسير الآيات (5- 9):

{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}
الانعام: الابل والبقر والمعز والغنم. الدفء: ما يدفئ الإنسان من ثياب وغيرها. المنافع: ما يفيد الإنسان منها من ركوب وحرث ولبن. وجمال: زينة. تريحون: تردونها من المرعى إلى مَراحِلها بعد رعيها. تسرحون: تخرجونها صباحا إلى مراعيها. الاثقال: الامتعة. بشق الانفس: بمشقة وتعب. قصد السبيل: الطريق المستقيم. جائز: مائل، منحرف.
{والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.
وقد تفضَّل اللهُ عليكم بأن خَلَقَ لكم الإبلَ والبقرَ والغنمَ والمَعز لتتّخِذوا من أصوافها وأوبارِها وأشعارِها وجلودها ما تحتاجون إليه في حياتكم وتشربون من ألبانِها، وتأكلون من لحومها.
{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}.
ولكم في هذه الأنعام بهجةٌ وسرور عندما ترجع من مراعا وهي مُقْبِلَةٌ مساءً ملأى البطون، حافلةَ الضروع، رائعةً سمينة، وحين تُخرِجونها صباحاً إلى المرعى، فإن منظَرَها يسرُّ الناظرين. وهذا يبدو لأهلِ الريفِ والبدو، ولا يدركه أهل المدينة.
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس}.
وبعضُ هذه الأنعامِ كانت من وسائل المواصلات ولا تزال كذلك في كثيرٍ من البلدان، تحمل أمتعتكم الثقيلة وتوصلُكم إلى بلدٍ لم تكونوا تستطيعون الوصولَ إليه بدنها إلاّ بكلّ مشقّةٍ وتعب.
{إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} إن ربّكم الذي هَيَّأ لكم كلَّ هذه النعم وجعلّها لراحتكم لهو رؤوف بكم واسع الرحمة لكم.
{والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.
وخلَق لكم الخيل والبغالَ والحمير أيضاَ لتركبوها، وهي بالإضافة إلى الإبلِ كانت وسائلَ النقل، وزينةً لكم. وهذه اللفتةُ لها قيمتُها في بيان نظرة القرآنِ والإسلام للحياة، فإن الجَمالَ عنصرٌ أصيل في هذه النظرة، وليست النعمةُ مجردَ تلبيةِ الضرورات من طعام وشرابٍ وركوب، بل هناك ما يُدْخلُ السرورَ على الانسان، ويلبيّي حاسَّةَ الجَمال ووِجدان الفرحِ والشعورِ بالجمال.
ومع ان هذه الوسائلَ أصحبت قديمة، فإن كثيراً من الناس لا يزالُ يربِّي الخيلَ والإبلَ ويُسَرُّ فيها صباح مساء، ولا تزال في كثي من البلدان فرقٌ كاملة من الفرسان والهجّانة في الجيشِ، وهي من أجملِ الأشياء التي يحبُّها الانسان.
{وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
وهذا من عَظمة القرآنِ حيثُ أشار إلى ما يجدُّ من وسائل النقل، وستجدُّ وسائل كثيرة لا نعلمها نحن في الوقت الحاضر. والقرآن الكريم دائماً يهيّئ القلوبَ والأذهان بلا جمود ولا تحجُّر.
ولحومُ الخيل محرَّمةٌ عند أبي حنيفة، وحلالٌ عند مالكٍ والشافعيِّ وابن حنبل، اما لحومُ البغال والحمير فهي محرَّمة عند أبي حنيفة والشافعيّ وابنِ حنبل، ومكروهةٌ عند مالِك، وجميعُها حلال عند الشِّيعة الإمامية مع الكراهة.
{وعلى الله قَصْدُ السبيل}.
وعلى اللهِ بيانُ الطريقِ المستقيم يوصلكم إلى الخير. {ومنها جائر} ومن الطرق ما هو جائز منحرفٌ لايُوصلُ إلى الحق، وعلى الله بيانُ ذكل ليهتدي إليه الناس.
ثم أخبر سبحانه ان الهداية والضلال بقدرته ومشيئته فقال: {وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}.
ولو شاءَ هدايتكم جميعاً لهادكم، لكنّه شاء ان يخلُقَ الإنسانَ مستعدّاً للهدى والضلال وان يدعَ لإرادته اختيار الطريق.

.تفسير الآيات (10- 19):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}
تسيمون: ترعون الماشية، تجعلونا ترعى النبات. ذرأ: خلق. سخر البحر: ذلله وجعله في خدمتكم. مواخر: جمع ماخرة: جارية فيه، مخر الماء شقة. الرواسي: الجبال. ان تميد بكم: إن تميل وتضطرب. وسبلا: طرقا. وعلامات: اشارات، ومعالم يستدل الإنسان بها.
{هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}.
بعد أن ذكر اللهُ نعمته على الناس بتسخير الدوابّ والأنعام، شرع يَذْكُر نعمتَ عليهم بإنزال المطرِ والخلْق وتسخير الكونِ كلّه لهذا الإنسان.
إن الذي خلقَ لكم الأنعام والخيلَ وسائرَ البهائم لمنافِعِكم ومصالحِكم هو الذي أنزلَ المطر من المساءِ عذباً زلالاً تشربون منه وتسقون الشَجر والنبات. وهذا الجشرُ والنبات هو الذي تجعلون أنعامكم ترعاه وتمدّكم باللّبن واللّحم والأصواف والأوبارِ والأشعار والجلود.
{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب وَمِن كُلِّ الثمرات}.
إن هذا الماء ينزله اللهُ من السماء بقدْرته فيحيي به الأرضَ وينبتُ لكم زرعكم المختلفَ من جميع أنواع الثمرات وتيجعله رِزِقاً لكمن ونعمةً منه عليكم، وحجةً على من كفر به.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ان فيما ذُكر من الآيات الداّلة على قدرة الله وما فيها من نعم لا تحصى لأدلّةً وحُجَجَاً لقومٍ لهم عقول تفكّر، بها يدركون حكمة الله، ويفهمونها حق الفهم.

.قراءات:

قرأ أبو بكر: {ننبت لكم} بالنون، والباقون: {ينبت لكم} بالياء.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ}.
ومن نعمة تعالى عليكم ان جعل لكم الليلَ مهَّيئاً لراحتكم، والنارَ جعله مناسباً لِسعيكم وحركتكم وأعمالكم، والشمس تمدّكم بالدفء والضوءِ، والقمرَ لتعرفوا به عددَ السنين والحساب، والنجوم مسخَّرات بأمر الله لتهتدوا بها في أسفاركم في ظُلمات البرّ والبحر.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
إن في كلّ هذه النعمِ والدلائل لآياتٍ لقوم لهم عقول تدرك وتتدبّر ما وراء هذه الظواهر من قدرة.
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ}.
ومن نعمه التي لا تُحصى عليكم ما خلقَ لكم في الأرضِ من أنواعِ الحيوان والنبات والجماد، وجعل في جوفها من المعادن المختلفة الألوانِ والأشكار، وجعلَ كلَّ ذلك لمنافِعِكم، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} ان في ذلك كله لأدلة واضحة لقوم يذكرون ولا ينسون. {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} [البقرة: 269].
قرأ حفص: {والنجوم مسخرات} بالرفع. وقرأ ابن عامر: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} بالرفع. والباقون {والشمس والقمر والجوم مسخرات} كلها بالنصب.
{وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.
ومن هذه النعمِ الكبرى نعمةُ البحر وما فيه من أنواع الحيوان، فإن اله تعالى جلعَ هذا كلَّه للإنسان ليأكل منه ذلك الحمّ الطريَّ الشهيّ، ويستخرجَ من جوفه أنواعَ اللؤلؤ والمرجان حِيلةً جميلة تلبَسونها ايها الناس وتتلحَّوْن بها.
{وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وترى أيُّها الناظرُ تلك السفنَ تمخر عبابَ الماء وتشقّه.. كلّ ذلك في خِدمتكم، سخَّرى الّلهُ لكم أيها الناسُ لتنتَفِعوا بما فيه، وتطلبوا من فضلِ الله الرزقَ عن طريق التجارة وغيرا، فلْتشركوا اللهَ على ما هيَّأ لكم وأنعمَ به عليكم.
{وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ}
وجعل في الأرض جبالاً ثابتة حتى لا تميل بكم وتضطربَ بما عليها.
{وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
وجعل في هذه الأرضِ أنهاراً تجري فيها المياهُ الصالحة للشرُّرب والزرع، وجعلَ فيها طُرُقاً ممهَّدة لتهتدوا بها في السَّير إلى مقاصدكم.
{وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ}.
وجعلَ لكم في هذا الكون علامات ودلائل يهتدي بها الساري ويسترشدُ في أثناء سيرة ليلاً بالنجوم التي أودعَها اللهُ في السماء.
بعد أن بيّن الله الدلائل على وجود الإله القادر، الذي خلَقَ هذا الكونَ على أحسنِ نظام، وان جميع ما في هذا الكون في خدمة الإنسان- أخذَ يردُّ على المشركين ويُبطل شِرْكَهم عبادتضهم غيرَ الله من الأصنام والأوثان، وأنهم عاجِزون لا يستطيعون اني يخلقوا شيئا فقا: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}.
أفمنْ يخلُق كلَّ هذه الأشياءَ التي مرَّ ذِكُرها وغيرها، كمن لا يخلُق شيئاً لا كبيراً ولا صغيرا، أتَعْمُون أيّها المشرِكون عن آثار قدرةٍ الله فلا تعتَبروا وتشركوا الله عليها!؟.
ثم بعد أن نبّهههم سبحانه إلى عظَمته وقدرته، ذكَّر الناسَ بنعمة عليهم واحسانه فقال: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
إنْ تحاولوا عدَّ نِعم الله عليكم فلن تستطيعوا احصاءَها لكثرتها... وأكثرُ النعمٍ لا يدري بها الإنسانُ لأنه يألفُها فلا يعشر بها إى حينَ يفتقدها. إن الله لغفورٌ، يستُرُ عليكم تقصيركم في القيام بشكرها، رحيم بكم يُفيض عليكم نعمه.
{والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}. لا يخفى عله شيء من سركم وجهركم.

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
أيان يبعثون: متى يبعثون. لا جرم: لا بد. ولا محالة وتأتي بمعنى القسم: حقا.
{والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.
إن هذه الأوثانَ التي تبعدونها من دونِ الله لا تخلق شيئاً بل هي مخلوقة، فيكف يكونُ إلهاً ما يكون مصنوعاً بالأيدي!!
وهم {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}.
إنها جماداتٌ ميتة لا حِسَّ لها ولا حركة، ولا تسمع ولا تُبصر ولا تعقل، وما تدري هذه الأصنامُ متى تكون القيامة والبعث للناس، فلا يَليقُ بكم أيّها العقلاء بعدَ هذا أن تظنوا أنها تنفعكم فتُشرِكوها مع الله في العبادة.
ولما أبطل اللهُ عبادة الاصنام وبيّن فساد مذهب المشركي- بيَّن أنه الإله الواحد الخالقُ المدبِّر.
{إلهكم إله وَاحِدٌ فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}.
ان الإله الذي تجبُ عبادته هو الله الواحدُ الخالق لا شريك له، أما الذين لا يؤمنون بالعبث والحساب فإنّ قلوبَهم مغلَقَةٌ منكِرة لوحدانيته، وهم مستكبِرون لا يريدون التسليمَ بالبراهين الواضحة، ولا يؤمنون بالرسول الكريم.
وبعد أن ذكر الأسبابَ التي لأجلِها أصرَّ الكفار على الشِرك وانكارِ التوحيد- ذَكَرَ هنا وعيدهم على أعمالهم فقال: {لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
حقاً إن الله يعمل ما يسر هؤلاء المشركون ويعمل ما يعلنون من كفرهم وافترائهم عليه. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} عن سماع الحق والخضوع له.
وفي الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبْر» وفي حديث صحيح آخر «ان المتكبرين امثال الذر يم القيامة، تطؤهم القيامة، تطؤهم الناس باقدامهم لتكبّرهم».